التوجهات التشريعية لنظم المسؤولية في ضوءالتطورات الحديثة

تعد المسؤولية المدنية في الوقت الراهن من أهم وأبرز موضوعات القانون المدني وأكثرها تعقيدا وإثارة للجدل، ولا غرابة في ذلك، فموضوعات هذه المسؤولية هي ترجمة لواقع الحياة وما يطرأ عليها من منازعات بين الأفراد، وتمثل أحكامها الحلول القانونية لتلك المنازعات.
وأهمية المسؤولية المدنية تنبع من اعتبارها أحد المصادر الرئيسية للالتزام، وإلى الوظائف التي ترمي إلى تحقيقها، وهي وظائف تختلف بحسب النظرة إلى أساس هذه المسؤولية، والتي يمكن بلورتها في طائفتين : وظائف تهذيبية ووظائف تعويضية.
وقد أولى كل من الفقه والقضاء والتشريع عناية خاصة واهتماما بالغا لنظام المسؤولية المدنية ما فتئ يتزايد بفعل تجدد وتفاقم المخاطر التي يشهدها الإنسان، والتي تتزايد بدورها بفعل التطورات الإقتصادية والإجتماعية التي مست أوجه النشاط الإنساني، وما رافقها من ظهور أفكار اجتماعية تنادي بتوفير الحماية للمضرور وسلامته في جسمه وماله، فهي من المواضيع التي لا تثبت على حال.
وقد أدى هذا التطور إلى أن مفهوم “المسؤولية المدنية المبنية على مبدأ الخطأ» لم يعد يتسع لمعالجة الآثار القانونية المترتبة عن هذه الحوادث والأضرار، وسمح بأن يظهر إلى جانبه مفهوم « المسؤولية المدنية دون خطأ ”، وبعد أن كان : «يعوض من تسبب بخطئه في ضرر»، أصبح : «يعوض من أحدث ضرر». وترتب على ذلك  اتساع مفهوم المسؤولية المدنية كماً ونوعاً، أو بعبارة أخرى ازدياد الحالات التطبيقية لمفهوم المسؤولية المدنية، لكن دون تجريدها من ركن الخطأ، الذي بقيت له أهميته في مجالات متعددة كأساس لهذه المسؤولية، سواء لقيامها أو كوسيلة لإعفاء المسؤول.