من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة
«أما المسائل التي لا نص فيها فيعلم أنه لا حكم فيها، لأن حكم الله تعالى خطابه، وخطابه يعرف بأنه يسمع من الرسول، أو يدل عليه دليل قاطع من فعل النبي عليه السلام أو سكوته، فإنه قد يعرفنا خطاب الله تعالى من غير استماع صيغة. فإذا لم يكن خطاب لا مسموع ولا مدلول عليه، فكيف يكون فيه حكم ؟
فقليل النبيذ إن اعتقد فيه كونه عند الله حراما، فمعنى تحريمه : أنه قيل فيه لا تشربوه. وهذا خطاب والخطاب يستدعي مخاطبا، والمخاطب به هم الملائكة، أو الجن، أو الآدميون. ولا بد أن يكون المخاطب به هم المكلفون من الآدميين، ومتى خوطبوا ولم ينزل فيه نص بل هو مسكوت عنه غير منطوق به، ولا مدلول عليه بدليل قاطع سوى النطق، فإذن لا يعقل خطاب لا مخاطب به كما لا يعقل علم لا معلوم له وقتل لا مقتول له، ويستحيل أن يخاطب من لا يسمع الخطاب ولا يعرفه بدليل قاطع.
فإن قيل عليه أدلة ظنية، قلنا قد بينا أن تسمية الأمارات أدلة مجاز، وأن الأمارات لا يوجب الظن لذاتها بل تختلف بالإضافة، فما لا يفيد الظن لزيد فقد يفيد لعمرو، وما يفيد لزيد حكما فقد يفيد لعمرو نقيضه، وفد يختلف تأثيره في حق زيد في حالتين فلا يكون طريقا إلى المعرفة، ولو كان طريقا لعصى إذا لم يصبه.
فسبب هذا الغلط إطلاق اسم الدليل على الأمارات مجازا، فظن أنه دليل محقق. وإنما الظن عبارة عن ميل النفس إلى شيء واستحسان المصالح...».
ما أصدق هذه الفكرة التي عبر بها الإمام الغزالي (المستصفى - 2/376) عن حقيقة أحكام الفقه الاجتهادية، لو طبقت لكانت لفقه الأسرة وللفقه عموما مسيرة أخرى غير التي سجن فيها بادعاء اكتشاف «المجتهد» لأحكام الله الأزلية، وأن «المفتي» مخبر عن الله.
Caractéristiques
- Auteur: Ahmed Khamlichi
- ISBN: 978-9954-642-34-4
- Dépôt Légal: 2015 MO 3107
- Nbr de Pages: 360 pages
- Format: 17 x 24 cm