وضعية أراضي الجموع بين المتطلبات القانونية ورهانات التنمية 2

تحلت الكاتبة بشجاعة أدبية واضحة بتطرقها لموضوع يتحدث عنه كثير من القانونيين والسياسيين والإداريين والإعلاميين بشيء من التهور والاندفاع لغايات مختلفة. وسلطت عليه أدوات البحث الفقهي رغم أن أراضي الجموع لا تخضع لتعريف قانوني دقيق ولا واضح، ورغم أن ذوي الحقوق المعنيين بها غير محددين ولا محصورين ولا معينين بالمعنى القانوني، ورغم أن نظامها القانوني متنافر ومتأثر بأعراف وتقاليد مختلفة ومتنوعة بحسب الجهات والقبائل. ولقد تأتى لها التغلب على كل ذلك بفعل منهجية التمييز والتركيز على جانبين، الوضع القانوني في حد ذاته، والوضع الواقعي الاقتصادي والاجتماعي الذي ينضوي في إطار ذلك الوضع القانوني، بحيث تميز بين نظام الأرض ونظام الإنسان.
وأبرز ما جاء في الجانب الأول هو الجرد الكامل للأسس التشريعية والإدارية المؤطرة لأراضي الجموع، وتحليلها ومناقشتها حسب موضوعاتها الشاملة، العامة والتفصيلية، مع التقيد الدائم باجتهاد القضاء ورأي الفقه، ومع الحرص المستمر على تجاوز ما يشوبها أحيانا من عدم الانسجام، ومحاولة التقريب بينها والخلوص إلى تكاملها، على غرار ما قامت به بخصوص ظهير 1919 وظهير 1963 وقانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، ونظام أراضي الكيش وأراضي الأحباس. ويجب أن يعترف لها بكل تقدير بتوفيقها الرصين والمتأني عند مؤسستين مهمتين هي مفهوم المنفعة العامة والوصاية الإدارية، حيث تعرضت في الأولى لما يعتري تطبيقها من اختلال وتحريف برر التنبيه الملكي إلى ضرورة التقيد بالمدلول الصحيح وتجنب التذرع المفتعل به قصد تحقيق غايات أخرى رغم المس بحقوق دستورية وقانونية. وتوقفت في الثانية عند ما أقحم في مفهوم الوصاية الإدارية من تشويش بفعل الخلط بينها وبين الوصاية على الأشخاص كقاصرين أو محرومين من أهلية التصرف، وكذا أصاب المفهوم من خلط أو تقارب مصطنع مع مفهوم ولاية الدولة الوارد في بعض النصوص القانونية ذات الصلة. فالوصاية الإدارية أضيق من ولاية الدولة إذ تنحصر في تتبع ومراقبة تصرف الأشخاص واستعمالات الأرض ولا تتعداها إلى تنظيم الحقوق العينية. فهي مجرد مظهر عملي أو تطبيقي أو مسطري ضمن الإمكانيات والسلطات التي تتمتع بها الدولة تجلية لولايتها.