تجريم تمويل الإرهاب

"إن التحول الذي شهدته الجريمة الإرهابية على جميع المستويات كان لابد أن يصاحبه تحول في نظرة المجتمع الدولي إلى هذه الظاهرة الإجرامية، بالانتقال من المواجهة المباشرة لهياكل التنظيمات الإرهابية من خلال اعتقال أعضائها بشكل أساسي إلى مواجهة المصادر التي تستمد منها قوتها. وقد تم ذلك بعدما وجهت المخاوف الحالية بشأن تصاعد مخاطر الإرهاب الانتباه الدولي إلى الدعم المالي للإرهاب منذ أن تم تحديد الموارد المالية على أنها شريان الحياة للعمليات الإرهابية؛ إذ قيل إن منع التدفق المالي من ممولي الإرهاب إلى الجماعات الإرهابية أو من مقرات الإرهابيين إلى الخلايا الإرهابية يمكن أن يعيق إلى حد كبير قدرات الإرهابيين على ارتكاب الأعمال الإرهابية.
لهذا، كان من شأن إقحام الأداة الجنائية في معترك محاربة تمويل الإرهاب أن أدى إلى ميلاد توجه جديد في السياسة الجنائية المعاصرة؛ قوامه توسيع دائرة تجريم الإرهاب لتصل إلى المرحلة السابقة عن ميلاد الجريمة الإرهابية ذاتها. وذلك من منطلق تسخير السلاح الجنائي ليلعب أدوارا جديدة من قبيل التدخل الاستباقي من أجل الوقاية من الجريمة، عوضا عن الاكتفاء بالأدوار التقليدية المتجلية في التدخل ما بعد وقوعها بغية حماية المجتمع من خطورة مرتكبيها.
في هذا السياق، يأتي هذا المؤلف ليسلط الضوء على بعض جوانب الجدل المثار لدى بعض الفقه الجنائي الغربي حول ما إذا كان حقا أن فعل التمويل هو مصدر الخطورة في الجرائم الإرهابية. لأنه إذا كان كذلك فإن تجريمه سيصبح ضرورة ملحة وحجة مبررة للخروج عن الأصول التقليدية للقانون الجنائي وإلا فإن تجريمه في بعض التشريعات الوطنية ومنها مجموعة القانون الجنائي المغربي لن يكون إلا استجابة للالتزامات الدولية التي تفرض التعاون لمواجهة هذه الظاهرة على المستوى العالمي، خاصة بعدما أضحت هاته الأخيرة ذات بعد ما-فوق قومي".