الوسيط في شرح القانون التجاري المغربي -ج2

نظر للأهمية التي تؤديها الأوراق التجارية في تنشيط وتيسير التبادل التجاري، ومن ثم النهوض باقتصاد الدول، فقد اهتمت هذه الأخيرة بوضع أحكام خاصة بالأوراق التجارية، إلا أن هذا الاهتمام يصطدم أحيانا بتباين وتضارب الأحكام والقواعد التشريعية التي تضعها كل دولة على حدة، مما حتم بذل الجهود في سبيل إقامة تشريع دولي موحد، يتناول تنظيم الأحكام الخاصة بالأوراق التجارية، عبر مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات التي يتم التوقيع عليها من قبل الدول الراغبة في الأخذ بقواعدها، أو الاكتفاء بتطبيق جزء منها والتحفظ على الجزء الآخر، من طرف الدول والتشريعات الأخرى.
ومعلوم أن التجارة في العصور القديمة كانت تتم عن طريق التبادل أو المقايضة بين التجار، كما أن الوفاء كان يتم بأوزان معينة من المعادن، قبل أن يحصل ابتكار النقود المعدنية والورقية وسيلة للوفاء. إلا أن المخاطر التي تعترض حمل النقود ونقلها من منطقة جغرافية إلى أخرى، من سرقة وضياع، جعلت التجار يبحثون عن وسائل قانونية تقيهم الوقوع في هذه المخاطر، فتم الاهتداء إلى الأوراق التجارية وسائل بديلة للوفاء، والتي اتخذت شكل محررات أو صكوك، من كمبيالة وشيك وسند لأمر؛ حيث سرعان ما انتشرت هذه الأدوات وازدهرت بموجبها الكثير من المعاملات التجارية بالخصوص.
وقد شهد العصر الحديث، بروز وسائل للوفاء أكثر تقدما، من تلك المعروفة قديما؛ إذ ظهر ما يسمى بالنقود القيدية، التي أصبحت فيها البنوك تقوم بدور الوسيط في الوفاء عن طريق عقود التحويل، أو عن عبر الإعلام بالاقتطاع من الحساب (Le Virement) من بنك إلى آخر، أو بتعبير آخر، أضحت الديون تسوى بواسطة القيد في الحسابات البنكية (L’Avis de Prélèvement).
كما ظهرت أنواع جديدة ومبتكرة من طرف البنوك ومؤسسات التمويل، تعرف بوسائل الأداء والائتمان الحديثة، والتي من بينها الأوراق التجارية المطورة عن الوسائل التقليدية، حيث برزت الكمبيالة الإلكترونية والشيك الإلكتروني ثم السند لأمر الإلكتروني، وظهرت أيضا وسائل أخرى مصاحبة لتطور التكنولوجيات الحديثة، بما في ذلك بطاقات الائتمان والنقود الإلكترونية، ثم العملات الرقمية والافتراضية...