الصيام

الصيام

في كل عام يطل علينا شهر رمضان الكريم كما أطل على أجدادنا من قبلنا منذ أن شرعه الله في السنة الثانية للهجرة من ثاني شهر شعبان، وفضائله كثيرة وأجره كبير، وهو خير الشهور كلها .
هذا الشهر الذي يتحقق فيه الإخلاص المجرد لله، ويستحضر فيه الصائم رقابة الله عليه لأنه أمانة بين المخلوق وربه، يقول النبي ص في الحديث القدسي حكاية عن ربه : «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به » رواه الإمام البخاري، والإمام مسلم.
وقد فرض الله الصيام ليتحرر الإنسان من سلطان غرائزه، وينطلق من سجن جسده، ويتغلب على نزعات شهوته، ويتحكم في مظاهر سلوكه، ولم يشرعه الله تعذيبا للبشر وانتقاما منهم، بل فرضه لأسرار جوهرية عليا، وحكم بالغة.
والصوم في الإسلام ليس المقصود منه الجوع والعطش لذاتهما، بل ما يتبع ذلك من التغلب على الشهوة وقهرها، وحقيقته أنه مدرسة سلوكية تُربى فيها النفوس على التقوى وعلى طاعة الله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { سورة البقرة الآية : 183 .
ولذا علينا أن ننتهز فرصة الحياة والصحة والشباب فنلتزم بطاعة الله وحسن عبادته، وأن ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر المطهر فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، حيث يقول الله تبارك وتعالى: }وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا { سورة الأحزاب الآية : 71.
كما يجب علينا الإخلاص لله عز وجل في صيامنا وفي صلاتنا وجميع أعمالنا، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحا ويبتغى به وجهه، فالصوم المطلوب إذن هو صوم عن الآثام والمعاصي، صوم يُقرّب إلى الله ويحقق صفاء النفس وطهارة القلب، صوم يمد الروح بالشفافية والصفاء والإشراق والقرب من الله .
وحتى يكون الصيام محطة تحول في سلوك الإنسان، به يتطهر من الذنوب، وبه يلتزم طاعة الله والقربى منه، فيعيش مالِكا لزمام نفسه لا أسيرَ ميوله المادية، فعلينا أن نتشبث بهذه العبادة، التي تُعوِّدنا على الانضباط النابع من داخل الذات وليس من خارجها، وبالتالي نتغلب على الأهواء والميول الضارة.
ونستطيع أن نقول بعد هذا بأن الصيام لَهُوَ نوع من التدريب على الانضباط الذاتي وامتحان قاس لعزيمة الإنسان وقوة إرادته ومبلغ استعداده للصمود والتضحية من أجل عقيدته ومبادئه وأهدافه العليا وغاياته السامية في الحياة .
ومن هنا يمكن أن نقول بأن الصيام فقرٌ إجباري تتساوى فيه جميع طبقات الشعب، ومظهر عملي لوحدة المجتمع الإسلامي يجوع فيه الناس جوعا واحدا ويتألمون ألما واحدا، ومن الآلام المشتركة تنشأ الرحمة، ومن الرحمة تحصل العدالة الاجتماعية، والصيام كبح لشهوات الجسد وتهذيب للروح في وقت واحد، وهو معركة مجابهة النفس وشهواتها، فتتعلم النفس الصبر على المكاره والحرمان، وجهاد النفس عبادة في حد ذاتها .

Caractéristiques

  • Auteur: Mohamed Belhassan
  • ISSN: 1358-2028
  • ISBN: 978-9954-688-19-9
  • Dépôt Légal: 2017MO0706
  • Nbr de Pages: 280 pages
  • Format: 17 x 24 cm

Collections Scolaires

Contact

10, Avenue Al Fadila - CYM, Rabat, Maroc
Tél : 05 37 79 57 02 | 05 37 79 69 14
Fax : 05 37 79 03 43
Email (Service Administratif et financier): darnachrelmaarifa@gmail.com
Email (Service Edition): darnachrmaarifa@menara.ma