الخطاب السياسي في المغرب

…‬اعتادت الدراسات التقليدية أن تعالج الخطابات السياسية التاريخية القديمة، ونادرًا ما انشغلت بتحليل الخطابات الراهنة، في نفس زمن إنتاجها. إن إحدى نقاط تميز كتاب «الخطاب السياسي في المغرب» أنه يعالج خطابات حيّة راهنة، تُنجز أفعالاً سياسيّة كل صباح.فهو يدرس بالتفصيل الخطاب السياسي للمؤسسات السياسية الملكية والحزبية الراهنة في المملكة المغربية، ويحلل نصوصًا وخطابات أنتجت في الأعوام القليلة الماضية. لقد عانت الدراسات العربية عقودًا طويلة من ضعف الروابط مع الواقع الحاضر، لصالح الانهماك في نصوص الماضي، ويمثل كتاب الأستاذ الدكتور عثمان الزياني مساهمة مغايرة تدعم الوشائج بين الأكاديمية والحياة، وتربط المعرفة بالواقع. وعلى الرغم من أن الأعمال العربية في تحليل الخطاب السياسي ما تزال تولي الاهتمام الأكبر للنصوص التراثية، فإن النزوع نحو دراسة الخطابات الراهنة المعيشة يزدهر أيضًا. من هنا تكمن أهمية دراسة الدكتور عثمان الزياني؛ فهي علامة على هذا التوجه الجديد، وحافزًا باتجاه تأصيله.
لقد هيمنت المقاربتين الوصفية والمعيارية على الدراسات التقليدية للخطاب السياسي العربي. وهو ما يُمكن تفسيره بأمرين؛ أما أولهما فهو هيمنة المناهج الوصفية على العلوم الاجتماعية لزمن طويل. وفي الحقيقة فإن المنعطف النقدي في العلوم الإنسانية حديث عهد نسبيًا، ويمكن النظر إلى مدرسة فرانكفورت بوصفها الأساس الفلسفي لهذا المنعطف. وفيما يتعلق بدراسات الخطاب، فإن المنعطف النقدي في الدراسات الأنجلو سكسونية يقترن بما يُعرف باللسانيات النقدية critical linguistics، والتحليل النقدي للخطاب Critical Discourse Analysis. أما في الدراسات الفرنسية فإن أعمال فوكوه كانت ذات تأثير جذري في تأسيس مقاربة نقدية للخطاب. أما الأمر الثاني فهو هيمنة علم البلاغة بمعياريته التقليدية على حقل تحليل الخطابة السياسية.
ويمثل كتاب «الخطاب السياسي في المغرب» خطوة مهمة في مسار المقاربة النقدية للخطاب السياسي العربي المعاصر. فهو يُسائل العلاقة بين الخطاب والسلطة والتلاعب على نحو جلي. ويكشف عن تناقضات الخطابات المهيمنة، وفجواتها، والمسكوت عنه فيها. وفي الحقيقة، فإننا بحاجة إلى تعزيز المقاربة النقدية للخطاب السياسي العربي، نظرًا لوجود تاريخ طويل من إساءة استعمال الخطاب، وتراجع في دور العلم في تقديم فحوص ومساءلات علمية دقيقة للخطاب السياسي تحديدًا‪“…‬