المسطرة الجنائية

المسطرة الجنائية

مرت هذه المساهمة المتواضعة بمراحل متعددة منذ سنة 1975 حيث أخذت شكل محاضرات على طلاب الإجازة بكلية الحقوق بالرباط في مناخ كان لا يزال متفاعلا مع تعديلات 1974، وصدرت باللغة الفرنسية سنة 1981 في أسلوب المناقشة المعلقة بأمل صدور قانون المسطرة الجنائية الجديد، ولا نزال في انتظار هذا القانون، ولا يسعنا إلا انتظاره.
لكن أقضية الناس تتطلب سيرا مستمرا لجهاز العدالة، والمهتمون بالمسطرة الجنائية من جامعيين وقضاة ومحامين لم يتوانوا عن إحراجي بالتشجيع على مراجعة مجهود 1981 وصياغته باللغة العربية. وغلب الحياء شعوري بالقصور عن المسؤولية المطلوبة مني، فحاولت رد التحية بمثلها مجتهدا في تقديم عمل أكثر من ترجمة وتصحيح. ورغم ذلك فلا أعتقد مطلقا بسلامة النتيجة من العيوب، بل من كثرة العيوب، ولا شفيع لي إلا اعترافي بتواضع تفكيري وأملي الدائم ويقيني الراسخ في قدرة المعنيين على استجلاء سلبيات رأيي وتقويمه.
في هذا الإطار عمدت إلى دراسة القانون الوضعي بالمغرب مبرزا محتواه بقدر المستطاع، محاولا ربطه بأسبابه وحيثياته الاجتماعية والتاريخية في ضوء ما توصل إليه الفقه والاجتهاد القضائي، من غير إثقال بأية مقارنة أجنبية ما عدا في حالات الضرورة. وساعدني على هذا ما حققه المجهود الغني لكل من الفقه واجتهاد القضاء اليوم، حيث وصلت الدراسات المتصلة بقانون الاجرام في المغرب إلى ما يناهز المأتين، وجاوزت القرارات والأحكام المنشورة ذلك، بحيث أضحى من حق الجميع أن يستفيد منها لما تزخر به من معطيات حول الخصوصية المغربية. على النقيض من ذلك يستمر مشكل ثنائية لغة القانون والفرق بين الصياغة العربية والصياغة الفرنسية، وتبعثر المقتضيات، بالإضافة إلى قلة النشر على العموم، مما ينعكس سلبا على العمل القضائي والبحث الفقهي.
وقد حيرني منهج استنطاق خلفيات النص القانوني إلى تساؤلات متعددة وتعثرات لا تقل عنها كثرة خاصة بسبب الاهتزاز الذي طرأ على قانون المسطرة الجنائية سنة 1974، وما خلفه من عدم استقرار الاجتهاد وقلق الفقه، بحيث تسلل التشكك إلى المبادئ الرئيسية ذاتها. يضاف إلى هذا ما يعيشه المغرب في الثلاثين سنة الأخيرة من حركة مراجعة القوانين ولو لم تصل المشاريع إلى مرحلة المناقشة أمام مجلس النواب. ومما لا جدال فيه أن المراجعة المذكورة تعني تطورات جذرية أصبحت مميزة للحياة الاجتماعية والسياسية وأضحت تفرض مبادئ جديدة وقوانين ملائمة. كل ذلك يجعل من الباحث في قانون المسطرة الجنائية، مغامرا يمشي في مسالك ضيقة محفوفة بالأشواك يصعب عليه أن يسلم من جراحها. فهو مطالب بالتعرف عليها وتمهيدها لمن يلحقون به حتى لا ينقطع الخيط الرابط بين مداخلها ومخارجها، ولا يغير معالم بيئتها المحيطة بها. فقانون المسطرة الجنائية حميم الصلة بالمبادئ الدستورية وقوانين الحريات العامة من جهة أولى، ومرتبط بمواقف القانون الجنائي العام ونوازل القانون الجنائي الخاص من جهة ثانية، ودائر في فلك المؤسسات الإدارية والسياسية من جهة ثالثة، فهو قائم على تقنيات وإجراءات خاصة به من جهة أخيرة. بالتالي من العبث أن يدرس في انعزال عما يتفاعل معه من القوانين والاعتبارات، ومن الصعب كذلك أن يتم عرض مضمونه بطريقة تركيبية مطلقة لأنها تهدد من ينهجها بالقصور، وتعرض الباحث والمارس المتخصص إلى متاهات لا يشعر فيها بزي اطمئنان لأنها لا توصله إلى حلول محددة أو دقيقة للمسائل التي يطرحها. تبعا لذلك لم أجد مناصا من الحل الوسط رغم أنه لا يقنع المجتهد الضليع ولا يريح المقتصد القنوع.
وعسى تقليدي للإمام ابن رشد واعتباري لنسبة من حاجة الطالب والعالم أن يجعل من هذا المتواضع مساهمة أخرى في استمرار ما اشتهر به المغرب من فقه يجدبه مختلف المهتمين فائدة ولو اقتصرت على كشف قصوره.

Caractéristiques

  • Auteur: Mohamed Idrissi Alami Mechichi
  • Dépôt Légal: 1991-427
  • Nbr de Pages: 288 pages
  • Format: 17 x 24 cm
  • Prix: 65,00 Dhs

Collections Scolaires

Contact

10, Avenue Al Fadila - CYM, Rabat, Maroc
Tél : 05 37 79 57 02 | 05 37 79 69 14
Fax : 05 37 79 03 43
Email (Service Administratif et financier): darnachrelmaarifa@gmail.com
Email (Service Edition): darnachrmaarifa@menara.ma